الجنيد ألم المعرفة»..سرد يستوعب اتساع القلب

الجنيد ألم المعرفة»..سرد يستوعب اتساع القلب

عن موقع alkhaleej.ae
بقلم علاء الدين محمود
-

في روايته «الجُنيد.. ألم المعرفة»، الصادرة عن دار الآداب، في بيروت، عام 2017، يحلق بنا الكاتب المغربي عبد الإله بن عرفة، في عوالم روحية شديدة الجمال، تطل على حياة تاج العارفين، الشيخ الجُنيد بن محمد النهاوندي البغدادي، المولود في بغداد في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، وهو من الشخصيات الصوفية الإسلامية العظيمة التي خلدت بسيرتها وأدبها ومؤلفاتها، والعمل يتناول قيام وازدهار الحضارة العربية الإسلامية ولمعانها في العالم؛ بفضل الفلسفة والأدب والعلوم اللغوية والفقهية والكلامية، في وقت كانت فيه الحضارات الكبرى مثل الفارسية والبيزنطية تتراجع، وفي الرواية لا نلتقي بسيرة الجنيد فقط، ولكن السرد يجعلنا نتعرف إلى تفاصيل من حياة بعض شيوخ الصوفية؛ أمثال: سمنون المحب والحلاج وغيرهما، لنقضي أوقاتاً ممتعة مع أسرار الحب والعشق، والمعرفة الصوفية وحكاياتها، ونتعرف إلى الأجواء السياسية والفكرية التي سادت، وكيف وجد هؤلاء المتصوفة من أمرهم عنتاً شديداً.

والرواية هي جزء من مشروع سردي خاص للكاتب يطوف عبره في عوالم التصوف، ليأتي الأسلوب السردي محاكياً لهذا المشروع الذي كرّس له الكاتب نفسه؛ حيث الكتابة الشفيفة، والعبارة التي تحاول أن تلاحق اتساع الرؤية، واللغة الشاعرية التي تنشد الجمال فتسيل لتنتج صوراً من المعاني، فالكاتب يوظف تقنيات سردية غير مألوفة، فيتداخل الزمان، ولا تكاد تعرف حدوداً للمكان، فعبد الإله بن عرفة، يؤسس لموسوعة أدبية روائية عرفانية تسافر عبر التاريخ العربي الإسلامي لتطل على الواقع.

الرواية وجدت قبولاً كبيراً في المواقع القرائية المتخصصة، وأجمع القرّاء على فرادتها وجودتها، ويشير أحدهم إلى ذكاء المؤلف الذي استطاع أن يكتب رواية تاريخية مختلفة، وفي نفس الوقت نجح في الكشف عن ثراء الحضارة الإسلامية، ويقول: «هو عمل له خصوصيته بين كل الأعمال الروائية الأخرى في توالد الأفكار وجمالية السرد وقوة اللغة وبلاغتها وذكاء التقاط الزمن التاريخي، والعمل يؤكد أن تاريخ الحضارة الإسلامية غزير وخصب؛ بحيث يمكن توظيفه بسهولة في نصوص إبداعية سردية، وتقديمها للعالم كشكل من الحضارة والمعرفة الإنسانية دون الاكتفاء بنقلها بطريقة تقليدية»، فيما يلفت قارئ آخر إلى مقدرة السرد في أن يجعل القارئ معايشاً ومتفاعلاً مع تفاصيل الزمان والمكان، ويقول: «رواية جميلة وممتعة، فقد استطاع الكاتب أن ينقلنا حقاً إلى مدينة السلام بغداد في القرن الثالث الهجري، في أبوابها وأسواقها وجوامعها وسِككها، وعادات أهلها وعلمائها وتجارها، وأحوال دار الخلافة، وجوّ حاضرة الدنيا العلمي والفكري، وترجمة معارف الروم واليونان، ونشأة العلوم والمدارس العلمية والفكرية والحضارية المختلفة».

ويتوقف أحد القرّاء عند الحمولة الفلسفية الصوفية في العمل، ومراتب السالكين، ويقول: «نتعرف في الرواية إلى أن وحدة القياس في المعرفة لا تقاس بالزمن، وإنما بالخطوات التي تخطوها خارج نفسك، تلك التي تنقلك من حال إلى حال؛ أي من مرتبة وجودية إلى أخرى، فكل خطوة تُحدث فيك تحولاً يجعلك تتذوق معنى الحرية الحقيقية»، بينما يلفت العنوان كعتبة نصية مهمة، انتباه قارئة، فتقول: «عنوان هذه الرواية من أجمل عناوين الروايات التي قرأتها في حياتي، فهو يشير إلى المعرفة التي قد تكون جارحة ومؤلمة في كثير من الأحيان، ويصبح نعيم الإنسان هو جهله»، ويشيد قارئ بالتوظيف العميق للغة في الرواية، ويقول: «أحببت قراءة العمل للغته السلسة والجميلة ولشاعريته وعمقه المعرفي، فالكاتب يجمع بين المعرفة والشعر في أسلوب فاتن وجميل وبديع».

وعلى الرغم من الإشادة الواسعة التي وجدتها الرواية، فإن بعض القرّاء وجدوا أن العمل قد أكثر من التفاصيل غير الضرورية في الوصف.