كتاب من فئة: روايات
"كانت مسيرة مثالية ثم انتفضت واندلع الرصاص فأخذ يصور. صور شباباً يتطايرون فوق الأشجار وتحت الأشجار ويقذفون الحجارة وقناني الزجاج وأفراد الجيش في أثرهم ككلاب الصيد. أحدهم يقفز من فوق السور وآخر يزحف تحت الدواليب وثالث يتعمشق دبابة... وعشرة وعشرون هنا وهناك مثل العفاريت، بينهم أطفال لم يتعدوا الابتدائية وما زالت حقائبهم على الأكتاف. لطمت فلاحة وهي تصيبح "الزيتونات! يا شقى عمرك يا صبحية!" فدفعها الجندي عن الشجرة ومشت جرافة لتقلعها من عمق الجذر. الجرافات مثل الدناصير، لها أفواه كالحيتان تلتهم الشجر والحجر والصخر وبطون الأرض فتبقرها، وتأكل ما انزاح وما تكسر وتلقي ما بقي على الجانبين وتغطس وتغور في عمق الأرض. الصخر الجميل! واندفع الفك الحيتاني وقضم الصخرة كقطعة سكر وزعقت أنياب ومفاصيل. صور، صور، هذا تاريخ. صور، صور، أحزان الأرض. صور، صور، آلام الناس. صور، صور. ووديع الصافي يتغنى بجمال الأرض وجمال السما ونسيم البحر. وتلك الشبعانة الغربية ابنة ثاتشر تقول البيئة، تقول الأوزون، تقول الإنسان. في هذا الجو لا فيه بيئة ولا فيه أوزون ولا فيه إنسان. فيه جرافات تجرف ما بقي من الصحة وبقايا العقل. وإن ضاع العقل ماذا يبقى؟ يبقى التاريخ؟ قالت الدين هو تاريخ فلتتفضل ابنة ثاتشر وترينا ضمير من خلفها وهو يدمر متحف بغداد والبني آدمين ولون الأوزون. يقولون الدين بلا رحمة، أي ديننا نحن بلا رحمة. ولكن يا راشيل، ماذا عنكم؟ هل لكم دين؟ قالت: بلا دين. ورأى والده في العدسة. كان الوالد ضمن مسيرة ثم اسرح ليحتضن الدار. جلس على العتبة وتربع. قال الجرافة لن تمر إلا فوقي، فوق جسدي. هذا ما قال تلك المرة ثم تراجع. أما هنا، هذي المرة، فنفذ ما قال. الاندفاع، وصراخ الناس، والدبابات، ورصاص الجيش والحجارة، أمده بالقوة ففقد العقل. أمسكه الجندي من عنقه وجره كالكبش وهو يقاوم. رآه يرفسه بالبسطار فتذكر رحلة نابلس في بكب الغاز. ضرب الشلاليت موجع جداً خصوصاً في المعدة والأنعاء. ورأى والده يتقيأ. فأسرع يركض نحو الحادث لكن الجنود مثل الحاجز. ورأى الفتاة ابنة ثاتشر تركض للدار لتحمي أباه. فتحت ذراعيها مثل الصليب وأخذت تصرخ stop stop... لكن الجرامة تتقدم stop stop... مثل الزلزال تدك الأرض فتفلقها وتمشي كالرخ وتترنح مثل الغيلان. مشت لتتلقاها مثل الصليب، ذراعاها مفتوحان والشعر الأشقر يتطاير من حم الوهج والجرافة تقترب ببطء وترنح، وذاك السائق في أعلى الرأس، رأس زجاجي يلمع من وهج الشمس، وذاك السائق يلمع أيضاً، يلبس نظارة زجاجية مثل الضفدع وغطاس البحر". تدور أحداث هذه الرواية في الفترة اللاحقة لانهيار اتفاقية أوسلو في فلسطين المحتلة وما تبع ذلك من حصار واجتياح لمدن وقرى فلسطين التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية والمذبحة الدموية في نابلس القديمة وحصار الرئيس عرفات في رام الله. وكعادتها، ترصد سحر خليفة الأحداث التاريخية بمراحلها المتعددة في فلسطين المحتلة من خلال شخصيات تجسد الواقع الفلسطيني بضعفه وقوته ونضاله اليائس من أجل الحرية والخلاص وكرامة الإنسان. هذه الرواية تسلط الضوء على الخلفية التي تنطلق منها العمليات الإستشهادية وتجيب على الأسئلة المطروحة في الساحة الدولية حول المقاومة والاستشهاد وما يسميه الغرب بالإرهاب.
جديد
جائزة أسماء الصديق للرواية الأولى 2024