أنشودة «البرد والحرية».. انطباعات روائية لتجربة ذاتية

أنشودة «البرد والحرية».. انطباعات روائية لتجربة ذاتية
صدر للشاعر السوري الدكتور سمير قنوع رواية أنشودة «البرد والحرية» عن دار الآداب في بيروت والتي جاءت بعد ديوان «مراكب العودة» و «شطآن الفراشات».
وتعتبر هذه الرواية عمله الروائي الأول و تحكي عن حادثة واقعية ذاتية حدثت في عام 2006 أدت لدخول كاتب الرواية إلى السجن لمدة قصيرة، ليشكل وصف أحداث تلك الساعات القصيرة الطويلة شهادة روائية صاعدة من عمق التراجيديا السورية بكل ما تحمله الكلمة من معنى أو الكوميديا السوداء لبلد مختطف ومغدور، امتهنت نخبته المتسلطة وطقم الفساد والإفساد إذلاله وتخوينه والاستهانة بكرامته الإنسانية حتى بات الإنسان فيه محكوماً بالتموضع في مساحة ضيقة داخل فضاء واقع بائس وموحش، يمكن أن يحدو به صوب أي ثورة أو اضطراب إذا ما توافرت له الفرصة.
وكلمات الرواية في لحظات الألم قاربت مشهديات السوريين المقهورين، وصبغتها بلون الجوع والغضب وأكسبتها طعم المرارة (الكرامة هي التاج الحقيقي للإنسان مريضاً كان أم معافى) حسب قول الكاتب.
الدمع والفرح اللذان هما بطلا الرواية يعززان الانطباعات الشاعرية التي تراءت بين سطور هذه التجربة الذاتية النثرية. سنوات الاستبداد والذل التي لم تخلُ الرواية من الإشارة إليها في كل مناسبة تضع القارئ مجدداً أمام الربيع أو الخريف أو حتى الشتاء الملتهب الذي سيرسم خريطة مستقبلية كاملة للمنطقة.
ومع نهاية الرواية، يغزو نفس القارئ إيمان بأن زمناً آخر قادماً سيغير كل شيء.. زمناً سيشهد ولادة المواطنة، الحرية، سورية.
وتمثل الرواية شهادة روائية صاعدة من عمق مجتمعات العالم الثالث، وهي شهادة تستحق أن تكون نصاً رئيساً في دراسة تتناول فساد الداخلية المرتبط بمنظومة السلطة في أعلى أشكال غبائها. ورغم قصر المدة التي قضاها الطبيب متنقلاً بين المحاكم والسجون والحجز إلاّ أن تكثيف التفاصيل والسرد الدقيق يبدو مذهلاً فيما يقدمه من إيحاء للقارئ بطول اللحظة السردية. ما بين سرقة المازوت وتعاطي الرشوة يدرك القارئ فوراً أول أسباب الثورة في المنطقة العربية: القمع البوليسي والفساد الذي ينخر في عظام الداخلية بأكملها، وهو عامل مشترك بين كل البلدان التي انتفضت شعوبها. نجح النص في إيضاح هذه النقطة تماماً وبسلاسة شديدة فيما نجح الشاعر برسم ملامح الأنشودة بقدرات أدبية عالية وحس جميل.

المصدر: صحيفة العرب القطرية