الحبيب السالمي: في متاهات الذات

الحبيب السالمي: في متاهات الذات

 

عن موقع الأخبار 
كلمات خليل صويلح السبت 7 آذار 2020
https://bit.ly/3aLNbCf

 

جرياً على عادته، في نسج وحياكة سردياته الروائية، يضعنا الحبيب السالمي (1951) مجدّداً، في قلب أكثر الموضوعات الذاتية إشكاليةً، والعمل بدأب على تقشير طبقاتها، بأقصى حالات التقشف اللغوي و«البساطة المخادعة» لتتكشف ببطء عن ثراء حياتي غير مفكّر به، أو أنه مهمل لأسباب تتعلق بالقدرة على المكاشفة والاعترافات. ضربة ريشة أولى فوق القماشة البيضاء، قد لا توحي بما ستؤول إليه مصائر شخصياته، إلى أن تختلط وتتمازج الألوان عن حياة صاخبة وممتعة تعمل في الجوار، مثلما تنطوي على أسئلة كبرى، لغوية وجمالية تقود إلى متاهة الذات في اغترابها من جهة، وحنينها إلى جذورها الأولى، من جهةٍ ثانية. في روايته الجديدة «الاشتياق إلى الجارة» (دار الآداب)، يحفر في العلاقة الملتبسة بين أستاذ جامعي من أصول تونسية، يعيش في باريس، وخادمة تونسية تعمل في الشقة المقابلة لشقته. صعوبة تخيّل علاقة عاطفية بين «كمال عاشور»، و«زهرة» سيطيحها الراوي تدريجاً، بضربات ناعمة نحو «لعبة غواية» مثيرة. لا تتوقّف هذه العلاقة عند حدود الاشتهاء الجسدي، إنما توقظ رغبة الراوي باستعادة لهجته التونسية، بعيداً عن علاقته الرتيبة بزوجته الفرنسية، وإذا بالمشكلة لغوية في المقام الأول، سواء باهتزاز معنى الاندماج، أو في ما يخص «أمراض» الذكر الشرقي إلى درجة المغامرة بعلاقة مع خادمة. هكذا ينسج الروائي التونسي المتفرّد، خيوط شرنقته على مهل، ومن دون صخب، على غرار ما فعله في «روائح ماري كلير»، لكن بإبرة أخرى، مكتفياً بجماليات المكان الضيّق والرهان على تأثيثه بمنمنمات هامشية تنبئ عن ذات متشظيّة تعيش تناقضاتها وتقلباتها وعيوبها، فتحتفل بسعادات صغيرة وعابرة، لتعويض خسائرها التاريخية في منفاها الاختياري.

نحن إذاً، أمام تجربة روائية لافتة، يعمل صاحبها في منطقة سردية غير مهادنة، مكتفياً بإلقاء حجرة صغيرة في المياه الراكدة، وإذا به يفضح عيوب مجتمع غارق بالنفاق والرياء والزيف، كما في «نساء البساتين»، و«عواطف وزوّارها»، و«بكارة». هذه المناخات الاستثنائية لفتت الانتباه إلى تجربة الحبيب السالمي بقوة، عبر ترجمات متتالية لمعظم أعماله. إذ صدرت أخيراً، روايته «بكارة» إلى اللغة الفرنسية (دار أكت سود) بعد ترجمتها إلى الألمانية. كما صدرت النسخة الإيطالية من روايته «نساء البساتين» (دار أتمو سفيري ليبري). الرواية التي اعتبرتها الناقدة الإيطالية ماسيميليانو فيولا «تجعلنا نفكر في المجتمع التونسي، في تطور مستمر، والمجتمع الغربي الذي بدوره، لم يجد المفتاح الصحيح للعالم العربي». لا يحيد الحبيب السالمي عن أسلوبه في اصطياد الحقائق الصغيرة، والذهاب إلى ما وراء الحكاية في تركيب حبكات حاذقة تجذب المتلقّي نحوها ببراعة.