الثقافة و الاستهلاك

الثقافة و الاستهلاك

تنهجُ الشركاتُ الـمُنتجةُ البضائعَ الاستهلاكيةَ و سواها، أُسلوباً للمحافظةِ على سُمعتها. فمثلاً، تُدَوِّنُ على العُبوات عبارةً إلى المستهلك، تدعوه فيها، إلى استبدالِ العبوةِ التي اشتراها، إن لاحظَ فيها عيباً، من البائعِ، أو الـمُعتمد. و طبعاً، نحن هنا، لا نتناولُ الحديثَ عن سلعةٍ استهلاكية. القضية ثقافية بالـمُطلق، تعكسُ نمطاً من أنماطٍ تُظهرُ مدى احترامِ الآخرين الثقافةَ، بدءاً من الدار التي تنشُرُ الثقافة.

هل هناك رابطٌ بين السلعة و الكتاب؟ أذكرُ فيما يلي، ما جرى معي، مع إحدى دورِ النشر، و للقارئِ أن يحكم.

منذ مدةٍ قريبة، اشتريتُ من إحدى المكتبات في دمشق، رواية "أصابع لوليتا" للأديبِ الجزائري "واسيني الأعرج". و في اللاذقية، باشرتُ بقراءةِ الكتاب، الذي عندما تجاوزت مُنتصَفه، أحسست بخللٍ ما، في سردِ الرواية، لأكتشِفَ أن هناك نقصاً، في صفحاته.

لم أجد من حلٍّ أمامي، سوى الاتصال بالناشرِ، عن طريق البريد الإلكتروني، لعله يُرسلُ إلَيَّ الصفحات الناقصة، علماً بأنني وضعت في الحسبان، أن يُهمَلَ طلبي.

بعد أقل من أربعٍ و عشرين ساعة، و بينما أستعرِضُ بريدي الإلكتروني، وجدت رسالةً من الناشِرِ، تحملُ اعتذاراً حاراً عن الخطأِ المطبعي الذي كان ارتكابُه من نصيبي، يُرافِقُ الرسالةَ، الصفحاتُ الناقصة من الرواية، بالحرفِ و القَطعِ نفسيهما، اللذين أُخرِجَ بهما الكتاب!

هذا موقفٌ ثقافي، لا أعلم إن كان مُتعارَفاً عليه في بلدنا. رُبما لأن الاندفاعَ نحو الثقافة، بهُتَ ألَقُه. و أَلَقُ الثقافة، حالةٌ تبادُليةٌ بين منتجِ الثقافةِ، و مُستَهلِكِها. إذن ليسَ غريباً ألا تجدَ ضالَّتك، من كتابٍ أنتجته هيئةٌ ثقافيةٌ رسميةٌ، كأن يُقالَ لك، إن الكتابَ المطلوبَ، تاهَ في زواريبِ المستودعات، أو أُصيبَ بالتلفِ، بفعلِ الرطوبةِ. علماً بأن الكتابَ المطلوب، يحملُ عنواناً هاماً جداً. و قد يكون جُزءاً ثانياً، للعنوان نفسه. فكيف نصفُ هذا المشهد الثقافي أو اللا "ثقافي"، عندما تُعاني منه، جهةٌ ثقافيةٌ رسمية؟

أنا لا أتَّهِمُ الجميع. و لن أذكُرَ دار النشر التي ذكرتُها بدايةً، مُلَبِّيَةً طلبي، لكنني – من باب العرفان – أكتفي بذكرِ اسمين صراحةً، هما "رنا إدريس و جومانا الغور" اللتان اهتمَّتا بالطلب، بسرعةٍ فائقةٍ، لم أكن أتوقَّعُها.

 محمد صخر حيدر
 جريدة الوحدة - اللاذقية