حكايات الموت

حكايات الموت

عن موقع alriyadh.com
بقلم فضيلة الفاروق
--------------------------
 

يُقال: إن تجربة الموت بداهة تنتمي إلى عالم لا يوصف، وقد كان من الممكن أن تكون نهاية لا شراكة في تقاسم طبيعتها، لو أن تقنيات الإنعاش لم تتطوّر في السنوات الأخيرة من القرن العشرين، بحيث أدّت إلى ظهور حكايات الموت، تمّ جمع الكثير منها في كتب، كما صورت في تحقيقات تلفزيونية، توقفت كثيراً عند لحظة العبور بين الحياة الفانية والحياة الأبدية.

في حالات نادرة تمّ توقيع الأطباء على شهادات وفاة لبعض الأشخاص، لكن كل نظرياتهم الطبية تقف عاجزة أمام عودة الروح إلى الجثمان المسجّى للدفن، ولا يوجد طبيب استطاع فك هذا اللغز، سوى بالإيمان أن الروح من أمر ربي، وأن ساعة الموت النهائية والانتقال إلى عالم الموتى في يده سبحانه عزّ وجلّ.

سنة 1976 أصدر الكاتب ريموند مودي (طبيب نفسي، فيزيائي، وفيلسوف)، كتابه " الحياة بعد الحياة" جمع فيه تجارب أشخاص اقتربوا من الموت، يشمل تجارب حقيقية لـ 155 شخصاً رووا ما عاشوه بالضبط في لحظات غادرت فيها أرواحهم أجسادهم وعادت بقدرة القادر وحده، الكتاب هزّ الجمهور الأميركي وحقق مبيعات هائلة، وشهرة كبيرة لكاتبه، فقد باع 13 مليون نسخة آنذاك، وترجم سريعاً إلى أكثر من عشر لغات، كما فتح الباب أمام دراسات أخرى معمّقة في الموضوع، كما ظهر منتقدون له، ولفكرة العودة إلى الحياة ثانية، لكن آفاق الأبحاث الجديدة اكتشفت أن الموت يحتلُّ أجزاء الجسد شيئاً فشيئاً، من هذا المنطلق أمكن زراعة أعضاء مثل القلب والكبد والكلى من أشخاص فارقوا الحياة لأشخاص يعانون أمراضاً مزمنة لا أمل في الشفاء منها.

هذا ليس كل شيء، فقد أعجب الأدباء وكتاب السيناريو بهذا الموضوع، فوظفوه في روايات كثيرة، وأصبح مادة إثارة جيدة في الدراما بنوعيها، ولعلّ رواية الكاتبة التركية الأخيرة إليف شافاك تدخل ضمن هذه التساؤلات، وقد صدرت مؤخراً عن دار الآداب ببيروت، مترجمة من طرف محمد درويش، أما نسختها الإنجليزية الصادرة عن دار بنغوان فقد بلغت القائمة القصيرة لجائزة مان بوكر.

تعتمد الرواية فكرة بقاء الدماغ على قيد الحياة لمدة عشر دقائق وثمان وثلاثين ثانية، وهي فترة زمنية قصيرة جداً، لكنها عظيمة في انبثاق أحداث عمر بأكمله لبطلة القصة ليلى، امتدت على مدى 478 صفحة.

الكاتبة الأكثر جدلاً في تركيا، لا تكتفي ببناء روايتها على معطى علمي نتيجة أبحاث قام بها أطباء كنديون، بل تستحضر كما العادة الوضع التركي منتقدة السياسة الداخلية والخارجية لتركيا، بتوقفها جلياً عند محطّة التدخل العسكري التركي في الحرب الأهلية الكورية، وهي محطّة بالكاد يعرفها القارئ في العالم أجمع.

كما تذكرنا شافاك أن اسطنبول الجميلة التي يقصدها السياح من كل ربوع العالم، لديها واجهة خلفية كلها معاناة، تماماً مثل حياة ليلى، لكنّها خارج هامش الرؤية.