قط أبيض جميل يسير مع يوسف فاضل

قط أبيض جميل يسير مع يوسف فاضل


"قط أبيض جميل يسير معي"، هي آخر رواية للكاتب والسيناريست المغربي يوسف فاضل، وهي تحكي مسار مهرج اشتغل في قصر السلطان، ومسار ابنه الذي قاده التجنيد الإجباري إلى الصحراء، للمشاركة في حرب ظلت متوقعة باستمرار. وبهذا، كان الأب في خدمة الملك، يفرج عنه ويضحكه، عندما يضيق عليه القصر، بسبب قضيته الكبرى التي لا تضاهيها قضية في الملك ولا في السماء. وهاهو الابن في خدمة الملك، أيضا، وقد توجه إلى الصحراء لخوض الحرب المظفرة، والدفاع عن القضية الأولى. ويتناوب كل من الأب المهرج، وابنه، الذي ورث عنه السخرية أيضا، على سرد قصتيهما المتقاطعتين، وذلك على امتداد أحد عشر يوما، هي الفضاء الزمني للرواية، فضلا عن مساحات التذكر الفسيحة في هذا العمل.

ليس هناك من مدخل إلى معرفة ما يجري في القصر أفضل من شخصية المهرج. فهو الوحيد الذي يستطيع أن يدخل القصر متى شاء، وهو الوحيد الذي يمكنه أن يقتحم على السلطان حتى غرفة نومه. هو الوحيد الذي ينفرد به، ويضحكان معا حتى تظهر آخر أضراسهما. والمهرج الوحيد الذي من حقه أن يسخر من كل الوزراء والجنرالات. بل يمكن له أن يسخر من السلطان نفسه، إذا لم يكن بينهما شخص ثالث، بشرط أن يضحك السلطان، ولو على نفسه. في القصر، كان مهرج يوسف فاضل يتماهى مع سيد القصر، إلى درجة يصبح فيها "مهرج السلطان هو السلطان" (ص 18). وقد يعرف المهرج عن الملك ما لا يعرفه هو عن نفسه، وكذا العكس. يسخر المهرج "بلوط" في الرواية من السلطان، عندما ينفرد به: "مرة قال لي إن جنوده يكدون العمر كله ولا يحصلون على عشر الثورة التي جمعتَ في ظرف وجيز. رددت عله في الحين: إن مهمتي ليست سهلة. فليس أصعب من أن تجعل ابتسامة تزهر على شفتي طاغية مثلك. أطلق قهقهة عالية وانطلق". ولأن القاعدة النقدية الفيصل في السخرية هي المفارقة، فإنها تصل مداها في فضاء مثل القصر، ومقام مثل مقام السلطان. والمهرج مطالب بأن يضحك، حتى لو ضحك على نفسه أو على كبير الوزراء، وذلك كان نصيب رئيس الحكومة.

تذكرنا رواية يوسف فاضل بفيلم "الملك والمهرج" للمخرج الكوري لي جون إيك، حيث قرر الملك إعدام جماعة من المهرجين كانوا يسخرون منه. فلما حشروا أمامه، طلبوا منه أن يمهلهم لكي يعرضوا أمامه عملهم الذي يسخر منه، فإذا لم يضحك فليفعل بهم ما شاء. وكذلك تعرف الملك على بلوط، حيث كان ينتظر أن يأمر الملك بقتله، لأنه كان يبيع الجنود في ساحة الفنا بمراكش أعشابا مقوية قبل ذهابهم إلى البورديل، فمات ثلاثة منهم في ليلة واحدة.

ينطلق يوسف فاضل، في روايته الجديدة، من رؤية للكون تعتبر الضحك جوهر الإنسان وما به يتميز عن غيره، وما به يتحدد كإنسان. "الحيوان لا يضحك. الضحك في الإنسان. إذا لم يضحك من الفرح فإنه يضحك من الهم". وهو في ذلك يستعيد قاعدة أرسطو، التي ترى الضحك أصلا في الإنسان. وهو ما سيؤكد بعده عالم بيولوجي، أعد أطروحة حول "الضحك"، أكد فيه أن الضحك نوع من الكلام. بل هو لغة كونية، مستدلا بكون الطفل يضحك قبل النطق بالكلمات. ولنقل مع صاحب كتاب "الضحك" هنري بيرجسون إنه "لا هزل إلا في الإنسان"، بل "الهزل هو الإنسان".

المصدر: جريدة الخبر المغربية